عرفت مؤسسة السجن العديد من الأنظمة السجنيّة المتعاقبة والمتزامنة في نفس الوقت، وطبّقت فيها الكثير من السياسات العقابيّة. ولكن رغم الحركيّة التي شهدها "الفكر السجني"،
تشير المعدّلات الإحصائيّة لنسب الإجرام في العالم وانتشار ظاهرة العود وتفاقمها في السنوات الأخيرة إلى فشل هذه المؤسسة رغم عراقتها. إذ لم تتمكن من أن تكون عقوبة رادعة للخارجين على القانون ولا أن تكون عقوبة إصلاحيّة أوتأهيليّة. فهل التوجّه نحو القطاع الخاص من شأنه أن ينقذ المؤسسة السجنيّة ؟
بعد مرور المؤسسة السجنيّة بمختلف الأشكال التنظيميّة، جاءت فكرة الخوصصة لتحلّ محل الدولة في إدارة هذه المؤسسة وتسييرها. وبدأ أصحاب رؤوس الأموال يفكّرون في استثمار أموالهم في سوق السجون وذلك لما فيها من مكاسب وأرباح. بل أصبحت هناك شركات مختصة في هذا المجال. وعبر السجون الخاصة وقعت نقلة نوعيّة في موقع السجين أو الموقف تجاهه، فبعد أن كان السجين شخصا منبوذا تتحمّل الدولة والمجتمع أعباءه بداية من نتائج أعماله الإجراميّة المكلّفة وصولا إلى تكلفة تنفيذ العقوبة عليه، أصبح في نظام السجون الخاصة شخصا مرغوبا فيه ومصدر ربح لأصحاب رؤوس الأموال الذين عرفوا كيف يجنون ثمار الفساد والانحراف الإجتماعي.
ومن بين أشهر الشركات المتنافسة في سوق السجون في فرنسا نذكر شركة "إيفاج" وشركة "بويغ". بل هناك شركات عالميّة وشركات متعدّدة الجنسيات تعنى باستثمار أموالها في السجون الخاصة مثل شركة "واكنهوت" (الشركة العالميّة الأولى لإدارة السجون الخاصة) والتي لها حضور كبير في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
كيف نشأت فكرة السجون الخاصة؟
نشأت فكرة إحداث سجون خاصة على إثر التطّور الذي عرفته المؤسّسة السجنيّة وفشل الأنظمة السجنيّة التي لم تفلح في الدور الموكول إليها أو بلغة أخرى بعد فشل الدولة في الاضطلاع بالمهام المناطة بعهدتها. و نشأت أيضا فكرة السجون الخاصة بعد أن أصبح عمل السجين جزءا من العمليّة الإصلاحيّة والتأهيليّة.
العمل السجني :
في المرحلة الأولى، كان العمل في حدّ ذاته عقوبة كاملة. ففي القرن السادس عشر كان العمل داخل السجون عبارة عن عقوبة خاصة للمتشرّدين والكسالى والمتسوّلين الذين يوضعون في السجون ويجبرون على العمل وكانت تسمّى سجون عمل Prisons de travail
وفي المرحلة الثانية، أصبح السجن عقوبة رئيسة والعمل العقابي عقوبة تكميليّة تضاف لعقوبة سلب الحريّة. لذلك اتصفت نوعيّة الأعمال العقابيّة بالقسوة والشدّة التي تتناسب ونوع الجرم الذي ارتكبه السجين مثل الأشغال الشاقّة.
وفي المرحلة الثالثة، اعتبر العمل جزءا جوهريّا وأساسيّا في إصلاح السجي.ن بل إحدى الحقوق الأساسيّة للمساجين التي نادت بها المؤتمرات الدوليّة لحقوق الإنسان. فمؤتمر بروكسال 1947 قال بضرورة العمل داخل السجون. وفي مؤتمر لا هاي 1950 ومؤتمر جنيف 1955 تمّ تأكيد نفس الشيء بل اعتبر العمل وسيلة للتأهيل والتهذيب والإصلاح.
الشكل التنظيمي لعمل السجين ومسألة قيمة عمل السجين:
رغم أهميّة العمل السجني ودوره في إصلاح المساجين وتأهيلهم، ورغم اتفاقه مع المبادئ الحقوقيّة العالميّة إلاّ أنّه مع بداية تطبيقها طرحت العديد من الإشكاليات القانونيّة والتنظيميّة خاصة عندما طرحت مسألة جني ثمار عمل السجين ومسألة المقابل الذي يتحصّل عليه هذا الأخير نتيجة لعمله. فمن جهة لا يمكن حرمان السجين من المقابل المادي بعد عمل ثماني ساعات أو أكثر، ومن جهة ثانية، برز على الساحة السجنيّة الهدف الاقتصادي للعمل خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار انخفاض تكلفة إنتاج العمل السجني نتيجة انخفاض الأجور. ولعلّ هذا ما شجع على ظهور السجون الخاصة التي يديرها أصحاب رؤوس الأموال ضمن مشاريعهم الاقتصاديّة الربحيّة. كما لاحظت بعض الدول مع بداية تطبيق العمل السجني خطورة على العمل خارج السجن ومنافسة لها. ففرنسا مثلا أثناء الأزمة الاقتصاديّة لسنة 1948 قرّرت إلغاء العمل داخل السجون وذلك في 14 مارس 1948 ولكن تراجعت عنه بعد حوالي سنة واحدة.
وعموما هناك ثلاثة أصناف من التنظيم القانوني للعمل السجني لها علاقة مباشرة ببروز فكرة السجون الخاصة وهي:
أوّلا، نظام المقاولة: ظهر نظام المقاولة بشكل واسع في بداية القرن الـ19 ولكنّه اختفى واتخذ صورا أخرى. وكما تدل تسميته هو عبارة عن اتفاق أو عقد عمل أو إجارة بين إدارة السجن وأحد المقاولين من القطاع الخاص حيث تتعهد إدارة السجن بتوفير اليد العاملة (المساجين) مقابل تشغيلهم وجني ثمار عملهم وتوفير كل مستلزمات عملهم وحياتهم المعيشة اليوميّة مثل الأكل واللباس والإقامة. بحيث يختفي دور الإدارة السجنيّة بصفة كليّة. وبالتالي لا يمكن الحديث لا عن إصلاح ولا عن تأهيل لأنّ ما يهم المشرف عليهم (المقاول) هو الربح.
ثانيا، نظام الاستغلال المباشر: على النقيض من النظام السابق تحتل الإدارة العقابيّة في نظام الاستغلال المباشر مكانة متميّزة في الإشراف على المساجين فهي التي تقرّر نوع العمل وتوفر المواد الأوّليّة وتشرف عليهم فنيّا وإداريّا، كما تتولّى التوزيع والتسويق. في المقابل عليها توفير كل مستلزمات السجين. وهنا أصبحت الإدارة السجنيّة تتحدث عن اكتفاء ذاتي وعن الربح الناتج من عمل السجين.
ثالثا، نظام التوريد: نظام التوريد هو عبارة عن نظام وسط بين النظامين السابقين إذ لا تتولّى الإدارة كليّا عمليّة تشغيل المساجين ورعايتهم كما هو الحال في نظام الاستغلال المباشر كما لا تتخلّى كليّا عن مسؤوليتها كما هو الحال في نظام المقاولة.بحيث تتعاقد إدارة السجن مع أحد رجال الأعمال الذي يلتزم بتوفير الآلات وكل مستلزمات العمل وله حق الحصول على ثمرة عمل المساجين مقابل أن يدفع مبلغا من المال لإدارة السجن مع تنازله عن الإشراف على المساجين لصالح الإدارة. فصاحب رأس المال لا سلطة له سوى استغلال عملهم.
وفي الفترة الأخيرة 30 جويليّة 2004 أعلن السيد وزير العدل الفرنسي "دومينيك بيربان" عن مناقصة فتحت شهيّة الشركات الخاصة تتضمن مشروع بناء 30 سجنا خاصا يستقطب 13200 مكانا من يوم بداية المشروع إلى نهاية العام 2007 وبموازنة تبلغ 4,1 مليار يورو.
وفي 9 و10 أكتوبر 2004 نظم مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان HRITC بالتعون مع البرنامج الانمائي للأمم المتّحدة عبر مشروع دعم القدرات الوطنيّة في مجال حقوق الإنسان باليمن ووزارة حقوق الإنسان ومفوّضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ندوة وطنيّة متعلّقة بحقوق الإنسان والتي انتهى عملها بصياغة توصيات ختاميّة أهم ما تضمّنته هو "إلغاء كافة السجون الخاصة وإطلاق كافة المحتجزين بها ... بدون أمر قضائي.